كلمة الرئيس نبيه
برّي في ذكرى مرور أسبوع
على وفاة السيد محمد الأمين في بلدة قلاويه ـ قضاء بنت جبيل
" إننا نعيش واقع حرب الضرورة لأن شارون يدفع
المنطقة إليها.
إن المعلومات التي تتحدث عن حشود إسرائيلية على حدودنا ليست تهويلاً على أحد.
وإنما هي حقيقة واقعة مترافقة مع رسائل غير مباشرة ينقلها مبعوثون.
هدف العدو حاضراً ومستقبلاً منعنا من التحول إلى منافس له في المنطقة.
إن إسرائيل سوف تلجأ في أي لحظة سياسية إلى جعل لبنان مجدداً نقطة الانكسار
في المنطقة.
خيارنا الإستراتيجي هو إلى جانب سوريا في الانحياز إلى السلام العادل
والشامل.
نحتاج في هذه المرحلة إلى أقصى حالات التضامن والوحدة الوطنية. "
ألقى رئيس
مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي ظهر الأحد 12/ 8 /2001 كلمة في ذكرى مرور أسبوع على
وفاة السيد محمد الأمين والد العلامة السيد علي الأمين في بلدة قلاويه قضاء بنت
جبيل حيث أقيم لهذه الغاية احتفال تأبيني حاشد حضره إضافة للرئيس مجلس النواب محافظ
الجنوب فيصل الصايغ ممثلاً رئيس الجمهورية العماد اميل لحود ونائب رئيس المجلس
الإسلامي الشيعي الأعلى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ عبد الأمير قبلان والنواب علي
الخليل، علي خريس، عبداللطيف الزين، عبدالله قصير، علي بزي، ناصر قنديل، هاشم هاشم
وعلي عسيران وممثل عن قائد الجيش العقيد إسماعيل حمدان وقيادات أمنية وعسكرية ولفيف
من رجال الدين ورؤساء مجالس بلدية واختيارية وحشد شعبي من مختلف المناطق.
كلمة الرئيس برّي :
بسمه تعإلى
فجأة ننتبه
اننا لم نأت من السكون والصمت، ولم نخرج من ظلال ياسمينة او نقفز من العتمة.
ننتبه اننا لسنا ارواحاً تستحضرها الاصابع التي تلهو على حدقات اعين الفناجين،
ننتبه إلى اننا لسنا بداية نهار بارد ينداح فوق رؤوسنا هرماً يشيخ بغير ما مطر.
ننتبه إلى اننا لسنا نهاية نهار دافىء رمى بنا على شفاه العطش، فكنا صرخته الباهتة.
ننتبه إلى اننا وعد ابائنا، نطفة املهم، واننا كنا ثمرة من طين تزاوج حقل الامومة
مع عرق جبين الاباء.
ننتبه إلى انه ساعة ذبل المطر وعلق الصباح شمسه فوق كرومنا المقهورة، حين صارت
الايام موشومة بعار النكبة، رمى اباؤنا بصرختهم في برّية امهاتنا، فصهلت افراسنا
الجموحة في السهول الراجفات، وخر من تحناننا المائي الاف الجبال وومضت في المدى
اعيننا.
وحدهم
اباؤنا الذين استدعوا بذرتهم الطيبة في الارض الطيبة كانوا يعلمون انهم كتبوا
اجيالاً جديدة من الحراس على ثغور الوطن.
وحدهم اباؤنا في هدأة الليل المشبع بالكواكب والشجيرات التي يرتاح في احضانها قمر
الجنوب، وشوشوا لنــا بكلمة السر " عاملة ".
وحدهم اباؤنا تركوا حكاية العطش تشع في صدورنا، وحـدهم حدثـونا حديث الاجيـال التي
سبقت عن صرخة زينب " واريد بعض الماء فأسقوني ". وحدهم قالوا لنا كيف اشاحت الصحارى
والنخل وجهوههن عن تلك الصرخة، وكيف اوصدت المنازل الابواب في وجه الحسين.
وحدهم تركوا لنا امانة كربلاء وامانة الجنوب، وقالوا قبل ان يجيء بعد هنيهة موتهم،
قفوا على جهة الجهات التي تغسل عين صباحها في طبرّية، والتي تغسل تعبها في
الليطاني، والتي تلعب شمسها الصبية في مرج الخيام ومرج بني عامر، والتي تصعد على
درج اعراسها إلى جبال الكرمل، والتي تستدرع نجوم عمرها اغماراً اغماراً في طقس
الجنوب.
وحدهم اباؤنا الذين علمونا صلاة الليل حين تنام المدن والشوارع والعمارات كي تنعس
عيوننا في مواقع الحراسة، ووحدهم علمونا كيف نحفظ ابجدية صلاتنا، وعلمونا ان الخبز
لا يكفي لكي نعيش، وان الحب لا يكفي لكي نتكاثر، وان الحرب لا تكفي لصناعة البطولة،
وان المـوت لا يكفي لكي نفزع من اعدائنا، وان الاشجار لا تكفي لعصافير اشعارنا، وان
الصوت لا يكفي لنفتح ابواب الحياة.
وحدهم اباؤنا علمونا الوقت والصبر والامل.
علمونا كيف
نعود اليهم حين يرن الصوت متجاوباً صداه : يا سامعين الصوت.
وحدهم اباؤنا علمونا الوطن وان الوطن دين، علمونا الارض والنهر والحبر وكيف نوقظ
الانسان فينا.
من هؤلاء
الاباء الذين علمونا :
المرحوم
الفاضل السيد الشريف محمد الامين الذي ترعرع في كنف والده المفضال السيد علي تقي
الامين القارىء الحسيني المميز الذي عاصر جيل المتفقهين على ايدي كبار علماء جبل
عامل امثال المقدس السيد حسن محمود الامين.
ومن هؤلاء
الاباء المرحوم الشيخ طاهر عليان الذي افتقدناه قبل اسابيع ثلاثة،
ومن هؤلاء الابناء الذين تعلموا :
سماحة العلامة العلم الاخ السيد علي الامين
لابائنا
الذين صعدوا إلى ملكوت الله المجد لأنهم فتحوا الابواب امامنا طوال الوقت، وعلمونا
المحبة الخالصة البرّيئة الناصعة التي تدخل البيوت من ابوابها، المحبة التي لا تخاف
ولا تشيخ ولأنهم علمونا التسامح.
التسامح
الذي يغسل القلوب، التسامح الذي لا يصدأ، ولأنهم علمونا دائماً المقاومة وحصروا ارث
هذه المقاومة فينا . جعلوها وديعتهم وكتبوها على بر الشام : من جبل عامل إلى
الجولان ومن حطين إلى حانين.
لابناء
هؤلاء الاباء وفي طليعتهم سماحة السيد علي الامين الذي نهل من مدرسة مقدسي السر
الشهيد الاول والشهيد الثاني والذي نهل من المدرسة المحسنية من مدرسة الاب المقدس
السر العلامة السيد محسن الامين الذي، تتلمذ على يديه المجاهدون الذين قاتلوا حتى
استشهدوا في ميسلون، والذي حمل راية الامام الصدر وانحاز إلى ابنائه في كل شدة،
والذي لم يغادر المدرسة الدينية في صور يوم حاصرت عناقيد الغضب والحقد الجنوب في
تموز 1993 ونيسان 1996، والـذي لازال يضيء ويفيء على المقاومين، والذي لازال يحمل
فأسه ليحطم الاصنام التي نحملها في زلات لساننا او في افعالنا، والذي رفض الاستهزاء
بقيمة العقل في ادراك الفتوى وادرك على عقلنة الفتوى.
له نرفع
عزاءنا اليوم بأسم جميـع اخوانه في حركة امل. وبعــد، وبعــد.
فإننا لا
نجافي الحقيقة اذا قلنا ان الجنوب لازال يصرخ في واد، وان صرخته لم تصل بعد إلى كل
اذان اللبنانيين حتى تنبهوا إلى ان هذه الجهة لا تقع وحدها عل خط تماس الجغرافيا
والتاريخ مع قضية المنطقة، بل ان لبنان كل لبنان والمنطقة كل المنطقة تقع على نفس
الخط.
اقول ذلك،
اذ لعل البعض لم يدرك بعد ان المنطقة كلها تحمل الان صليبها على ظهرها وتمشي طريق
جلجلتها إلى نفس جبل الزيتون الذي يحرس القدس، وانه اذا اردنا حقيقة ان نعرف ما
الذي يجري في لبنان ؟ ولماذا الضغوط التي يتعرض لها لبنان ؟ علينا قبل الاجابة
التبصر بوقائع المنطقة انطلاقاً مما يجري على ارض فلسطين.
لقد قلت قبل
ايام وفي الضاحية اننا نعيش واقع حرب الضرورة التي يدفع شارون والمستوى السياسي في
الكيان الصهيوني المنطقـة اليها، وهذه الحرب اذا كـانت ساخنة على محاور رفح وخان
يونس وبيت جالا ورام الله والقدس، فإنها ليست باردة على محـاور كل عاصمة عربية وكل
جهة عربية في كل قطر، وان لبنان كل لبنان في طليعة تلك الاقطار التي يقع عليها ضغط
ظل الوقائع الساخنة، وعليه فإنني ابدي اسفي الشديد اذا كان بعض اللبنانيين يعتقدون
ان اصبعنا ليست في النار، بل وان النار لا تشتعل في اطراف ثوبنا، او اننا لسنا
معنيين بما يجري وانه بالامكان تحييد لبنان عن الوقائع والنتائج المترتبة على حرب
شارون البطيئة المستمرة ضد الفلسطينيين.
ان
المعلومات التي تتحدث عن حشود اسرائيلية على حدودنا ليست تهويلاً على احد، وانما هي
حقيقة واقعة مترافقة مع رسائل غير مباشرة ينقلها مبعوثون، اخر انذار او شبه انذار
منذ يومين.
ان البعض
يتوهم ان هدف اسرائيل والضغوطات الدولية المرافقة هي ارسال الجيش إلى الحدود وكأن
ارسال الجيش إلى الحدود عملية حل مشكلة وانتهت، ومسحة رسول ، او ان اسرائيل تريد
ردع امكانيات المقاومة اللبنانية والاسلامية.
اني اقول
للجميع ان هدف اسرائيل في الماضي والحاضر والمستقبل سيكون تدمير امكانية قيامة
لبنان وتحوله إلى منافس محتمل لاسرائيل في نظام المنطقة.
كما ان هناك
ابعاداً مختلفة لعدوانية اسرائيل المستمرة ضد لبنان مائياً، حيث تصوب المدافع
والدبابات الاسرائيلية والطائرات والصواريخ لاننا وضعنا يدنا على نقطة ماء كي نسقي
قرية، تصوروا ان قرية الوزاني ممنوع ان تشرب من نبع الوزاني.
كما ان
اسرائيل التي تنقل التربة الان من مزارع شبعا سبق لها ان سرقت التربة من انحاء
مختلفة من المناطق الحدودية.
لذلك اقول
للجميع، ان اسرائيل التي لم تحتج في السابق إلى مبررات لعدوانها على بلدنا
ولاجتياحاتها سوف تلجأ في اية لحظة سياسية إلى محاولة كسر الحالة المعنوية التي
حققتها المقاومة وصمود شعبنا في لبنان، ومحاولة جعل لبنان مجدداً نقطة الانكسار في
نظام المنطقة.
اننا في
لبنان وفي هذه المرحلة نحتاج إلى اقصى حالات التضامن والوحدة الوطنية والعمل
الجبهوي لمواجهة الاحتمالات وعدم التلهي بالمشاحنات والاستمرار باستنزاف سوريا
بدلاً من الافادة من دعمها وصمودها.
ان الجنوب
هو الجهة التي تحتاج إلى التحصين والتي تحتاج إلى كل صلاة ودعاء من المؤمنين، ونحن
في كل الحالات نؤمن بالاعجوبة التي خرجت فيها الروح الشريرة من جسد الكنعانية على
يد السيد المسيح عليه السلام، ونؤمن ان كل جبار يحاول ان يمس جبل بسؤ سيقصم الله له
ظهره، ولأننا نحفظ الوصايا ومجربون فإننا نؤمن اننا سنكون منتخبين.
هذا على
المستوى اللبناني، اما على المستوى العربي فإنه لا حاجة لتأكيد صحة خيارنا
الاستراتيجي إلى جانب سوريا في الانحياز إلى السلام العادل والشامل، الذي يحرر
الارض ويحفظ الحقوق.
نقول ذلك
لأن الجيش الاسرائيلي والمجتمع الاسرائيلي يعطي يومياً الدليل على عدم ملاءمته لأي
تسوية تحت مظلة القرارات الدولية، ولأن صورة الحركة السياسية والعسكرية الاسرائيلية
تبرز يوماً بعد يوم احقاداً وعنفاً ووحشية في الممارسة تفوق ما اقدمت عليه النازية.
اننا رغم
القاء القبض على الشارع العربي بالصورة الرسمية التي نشهد، نؤمن ان الموقف العربي
سيتحرك إلىالامام للاصطفاف خلف الانتفاضة والموقفين اللبناني والسوري.
الاخوة
الاعزاء
اخيراً نسال
الله ان يرحم فقيدنا وان يسكنه فسيح جنانه وان يلهم ذويه وفي طليعتهم الاخ الصابر
المجاهد السيد علي الامين الصبر والسلوان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
|