كلمة الرئيس نبيه بري
في رعاية
أعمال ندوة الصحة العامة بالتعاون مع مشروع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي
" للمرة الثالثة، وبالتعاون بين المجلس النيابي
والمكتب الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة .U.N.D.P ، تنعقد هذا العام ندوة لنقاش
السياسات العامة للدولة، بدأت بندوة بعنوان التنمية الزراعية تلتها ندوة بعنوان
التنمية السياحية. واليوم نلتقي في إطار هذه الندوة بعنوان: ندوة الصحة العامة التي
تتوج أعمال ندوتين قطاعيتين: الأولى في حزيران المنصرم والتي عالجت ثلاثة محاور هي:
المؤسسات العامة الضامنة، والمؤسسات الحكومية والدواء.
الندوة الثانية مطلع الأسبوع الماضي، وعالجت ثلاثة
محاور جديدة هي: التعليم الطبي والصحي، الوقاية الصحية والخريطة الصحية.
وحسب معلوماتي فقد عقدت في إطار الندوتين لقاءات تحضيرية بين رئيس وأعضاء لجنة
الصحة والعمل والشؤون الاجتماعية النيابية وممثلي الوزارة المختصة والقطاعات
المهنية ذات العلاقة تجاوزت العشرين اجتماعاً.
والأسباب الموجبة لهذه اللقاءات والندوات وورش العمل المكثفة التي يرعاها المجلس
النيابي، هي تمكين مختلف قطاعات الشعب وممثلي القطاعات المهنية كل في اختصاصه،
والنقابات والمنظمات الشعبية والأحزاب ومؤسسات الرأي العام من المساهمة في نقاش
السياسات العامة، وصولاً إلى بناء مشاركتها الفعلية في كل ما يصنع حياة الدولة
والمجتمع، ويرسم سياسات وطنية عصرية في مختلف العناوين.
وقد سبق لمجلس النواب خلال السنوات الثماني الأخيرة
أن عقد مثل هذه اللقاءات والندوات وورش العمل المحلية والعربية حول عناوين قطرية أو
مشتركة ملحة، تؤسس لمساهمة مجلس النواب اللبناني واتحاد البرلمانات العربية إلى
جانب الحكومات في إنتاج سياسات عامة تتجاوب مع المتطلبات الوطنية ومتطلبات العصر.
والأسباب الموجبة لعقد سلسلة هذه اللقاءات والندوات الصحية التي تتوج اليوم بهذا
المؤتمر إذا جاز التعبير، هي الأرقام المخيفة للفاتورة الطبية الصحية التي بلغت
حوإلى ملياري دولار أي 12,3 بالمئة من الناتج المحلي، خصوصاً وأن فاتورة الدواء من
أصل هذه الفاتورة الإجمالية بلغت حوإلى الربع، نحو خمسماية مليون دولار، وهي أعلى
من أي نسبة في البلاد العربية وأوروبا وهي تقارب نسب الولايات المتحدة الأميركية.
والسبب الأكثر إلحاحاً في إطار الأسباب الموجبة، هو
انه وبالرغم من ارتفاع الفاتورة الصحية فما زالت الخدمات الصحية غير متوفرة لجميع
اللبنانيين، حتى نكاد نقول أن الحرمان الصحي ما زال يلف أقضية وقرى بكاملها.
والسبب الرئيسي إننا لا نريد لوزارة الصحة ولكل وزارة أن تبقى تتوارث تراكم
المشكلات التي تتحول إلى استعصاءات منذ الاستقلال إلى اليوم، بحيث نجد أنفسنا
دائماً أمام حل يستدعي تنازل الدولة عن دورها لصالح خصخصة هذا القطاع أو ذاك، بحجة
أن الدولة إدارة فاشلة وخاسرة.
إنني أعرف معظم الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة
الصحة وأعرف أن همهم الأساس صحة المواطن. ولكنهم كانوا يجدون أنفسهم دائماً أمام
وقائع متراكمة يقعون في محاولة تصريف مشكلات، إلى درجة أن مهامهم اليومية تتحول إلى
ملاحقة معاملات للمواطنين الذين يطرقون باب الوزارة للضغط على هذا المستشفى أو ذاك
لاستقبالهم من قبل المستشفيات. وأن هناك عبارة معلقة على لسان موظفي طوارىء
المستشفيات "لا يوجد أسرة شاغرة".
إن دافع هذا المؤتمر المساهمة إلى جانب الوزارة
المختصة والحكومة في رسم سياسة صحية عامة، وانني إلى جانبه سأسعى إلى تقديم بعض
الاقتراحات:
أولاً : وبانتظار التوافق على التوصيات
الضرورية التي تضعنا على طريق سياسة صحية وطنية عصرية، أدعو إلى العودة للعمل
بالعُرف السابق أي تسمية مستشفى طوارىء في كل قضاء، وإنشاء مراكز إسعاف على الطرق
السريعة، والعمل لإزالة عدم الثقة بمستشفيات الأقضية.
ثانياً : أدعو إلى اعتماد صيغ: طب العمل والطب المدرسي والطب الرياضي
وغيرها، وذلك من أجل الضرورات وحماية الأفراد والمؤسسات من جهة ثانية لأن هذا الأمر
يوفر فرص عمل كبيرة جداً للأطباء.
ثالثاً : تجهيز المستشفيات وتعيين مجالس إدارة والسماح لها بمباشرة العمل،
بصراحة بجهد كلي لبناء مستشفى في المناطق النائية والمحرومة، وتدشين المستشفيات
ويكون في ذلك اليوم الممرضون وأطباء، ولا تعمل المستشفى بعد ذلك رغم مرور أربع أو
خمس سنوات، هذه المستشفيات التي بنيت في عكار والهرمل وقانا وميس الجبل وغيرها من
الأبنية الجاهزة والممتازة ولكنها بدون تشغيل وبدون مجالس إدارة.
رابعاً : إطلاق المكتب الوطني للدواء الذي وفقا لمعلوماتي ولمعلومات الجهاز
الطبي في الجيش اللبناني يوفر 24 % من ثمن الدواء على المواطن، ولكن هذه معجزة من
المعجزات فهناك قانون بهذا المكتب وعلى مر الزمن استطاعت مافيا الدواء في لبنان
دائماً أن توقف إطلاق هذا المكتب الوطني للدواء.
أما على طريق تنظيم القطاع الصحي، فإنني أدعو :
أولاً : إلى بناء علاقة بين كلية الطب في
الجامعة الوطنية والجامعات الخاصة، وبين حاجات سوق العمل، وبمعنى أوضح ترشيد تدفق
إعداد الأطباء من كليات الطب العديدة والمتنوعة التي أصبحت الآن حسب الطوائف والحمد
لله، إلى هذا القطاع أكثر فأكثر وبالمناسبة في مراجعة التاريخ العربي في زمن
الخليفة العباسي المأمون بلغ عدد الأطباء إلى عدد كبير لدرجة أنه وصل في بغداد إلى
تسعمئة طبيب، وقد طرحوا الأمر على المأمون فأوجد لجنة خاصة (كما الكولوكيوم اليوم)
ممنوع على أحد من الأطباء ممارسة الطب من دون المرور من خلالها، وكان يرأس هذه
اللجنة العالم الكبير اسحق بن حنين ثم أصبح ابنه حنين بعد وفاته رئيساً للجنة، ومع
ذلك بعد أن ينجح الطبيب كان لا يكفي أن ينجح في الامتحان لكي يمارس الطب في بغداد،
كان عليه أن يقضي عامين في ممارسة الطب في الريف قبل ان يحق له المجيء إلى بغداد.
واعتقد انه في الستينيات أو السبعينيات كان يوجد قانون لا يزال ساري المفعول، ولكن
الحمدلله كالعادة لم يطبق.
ثانياً : دراسة توفير الضمان الصحي لجميع اللبنانيين خصوصاً وأن ثمانية
وخمسين بالمئة من اللبنانيين يستفيدون من المؤسسات العامة الضامنة، وإذا ما أضيفت
تقديمات وزارة الصحة ترتفع هذه النسبة إلى أكثر من سبعين بالمئة.
إنني في هذا الإطار أدعو معالي الوزير الصديق سليمان
فرنجية إلى أخذ المبادرة في تشكيل لجنة من وزارتي الصحة العامة والشؤون الاجتماعية،
ومن إدارة الضمان الاجتماعي وتعاونية موظفي الدولة وصناديق التعاضد والطبابات
العسكرية والأمنية، لترشيد الإنفاق المالي الحكومي على الصحة العامة ولوضع خطة تجعل
الضمان الصحي في متناول جميع اللبنانيين أو وفق ما ترتأونه بعد وضع هذه الدراسة.
ثالثاً : وضع خريطة علمية للخدمات الصحية
تشمل جميع المناطق اللبنانية، والنظر إلى استثمارات القطاعين العام والخاص
والمؤسسات الإنسانية الأهلية على الصحة بمنظور وطني عام، بحيث تصبح جميع المستشفيات
والمراكز الصحية والمستوصفات جزءاً من شبكة صحية متكاملة.
رابعاً : الوصول كهدف إلى تعميم البطاقة الصحية.
الحضور الكريم،
إنني إذا أتوجه بالشكر إلى رئيس لجنة الصحة والعمل
والشؤون الاجتماعية النيابية وأعضاء اللجنة والـ ( U.N.D.P. ) وكل من ساهم بالأفكار
في تعميق المفاهيم حول النظام الصحي في لبنان، فانني أرى أن هذا المؤتمر سيغني دون
شك الدراسات الجاهزة حول القطاع الصحي في لبنان، الأمر الذي يضعنا جميعاً أمام خط
الإنطلاق للعمل وصولا إلى تثبيت حق المواطن في الصحة كما في التعليم في الطبابة
والعمل والسكن.
إن المجلس النيابي سيكون جاهزاً إلى جانب الحكومة
لإصدار التشريعات الملائمة التي يتفقون عليها لجعل النظام الصحي في لبنان نموذجاً
عربياً، ولدينا الكفاءات اللازمة، بل لدينا نجوم محلقة في سماء الطب تدعى إلى
مؤتمرات الاختصاص الدولية لتعطي عصارة ذهنها وخبراتها، وعليه ألا تقع علينا مسؤولية
الاستثمار على صحة المواطن كخطوة لبناء ازدهار الإنسان في لبنان.
عشتم
عاش لبنان
|